لم يحالف العالم الحظ في القرن 21 فيما يتعلق بقادة البلدان. في الولايات المتحدة، نحن نعيش حالةً من التشاؤم، وغير راضين تماماً عن اختياراتنا في عام الانتخابات، ومنقسمين حول كل شيء تقريباً. وأصبحت مجالس المدن والمجالس التشريعية للولايات أماكن منقسمة وكريهة، وغير مهتمة في كثير من الأحيان بإيجاد أرضية مشتركة. وفي الخارج، تعاني أوروبا صيف انتخابات مبكرة حيث يعبر السكان المضطربون عن استيائهم.

في كل مكان، يتم تقدير الأداء وفقاً للنتائج. فكيف إذن تبدو القيادة الجيدة في الممارسة العملية؟ كيف نجد القادة الجيدين، وكيف يتم تدريبهم وتشكيلهم؟ من هم أفضل قادة أميركا الآن وماذا يمكننا أن نتعلم منهم؟ وكيف يمكننا إيجاد المزيد منهم؟

على مدى العام المقبل، سأقوم ببحث ما يصلح للقادة في السياسة والحكومة وقطاع الأعمال. ولنبدأ بـ «نيلز أولسون»، الباحث عن الكفاءات والذي يفكر في القادة- أين يمكن العثور عليهم، وكيفية التعرف عليهم، وكيفية جعلهم أكثر نجاحا.

لقد جاء إلى واشنطن بعد حصوله على شهادة في العلوم السياسية من جامعة ولاية نيويورك، وساعد في قيادة مكتب موظفي الرئيس جورج بوش، وعمل لاحقاً في إحدى شركات العلاقات العامة العاصمة، يعترف أولسون أن الظروف الراهنة تتحدى حتى أفضل القادة. إن وصف أولسون ببساطة بأنه «باحث عن الكفاءات» ليس كافياً، فقد ساعد أولسون في قيادة أكثر من 1000 عملية بحث تنفيذية لجميع أنواع الأرباح والمنظمات غير الربحية، وهو يتحدث بأسلوب مدروس لشخص يشعر بالارتياح في مناصب الإدارة العليا ويقدم عروضه إلى مجالس الإدارة. يقول أولسون إنه على مدار عقود من عمله، ظلت السمات الأساسية الثلاث للقادة الناجحين من دون تغيير: القادة الأكفاء يمزجون بين النزاهة والرؤية والرغبة في جلب الناس معهم.

وعلى نحو مماثل، قال الرئيس الأميركي الأسبق «هاري ترومان» ذات مرة: «يتمتع القائد بخاصيتين مهمتين. أولاً، لديه هدف. ثانياً، هو قادر على إقناع الآخرين بما يريد. ولكن إذا ظلت أساسيات القائد الجيد كما هي، فإن مجموعة الأدوات اللازمة لتحقيق النجاح تتغير وتزداد تعقيداً. يقول أولسون: «تزداد درجة الصعوبة في هذه الأدوار. لقد تم رفع المستوى، لا يهمني ما إذا كان الأمر يتعلق بالسياسة أو الأعمال أو الأوساط الأكاديمية».

على عكس المديرين التنفيذيين بكافة مستوياتهم في فترة ما بعد الحرب، يقول أولسون، إن قادة اليوم يحتاجون إلى المرونة في التعامل مع الأصوات الأكثر تنوعاً بكثير من تلك التي كانت موجودة في الماضي - وهي ضرورة نشأت جزئياً بسبب وجود عدد كبير جداً من الأشخاص اليوم - سواء كانوا يعملون لديك أم لا - والذين أصبح لهم صوت. ويضيف: «مع وجود الهواتف المحمولة ومجموعة كبيرة من الأشياء الأخرى، من الصعب جداً أن تكون قائداً قادراً على القيادة والسيطرة في هذا العصر، لأنك إذا ارتكبت خطأً واحداً سيعرفه الجميع».

وأردف: «عليك أن تكون قادراً على التعامل مع الأمور وجهاً لوجه. يجب أن يكون هناك درجة من الانفتاح والتواضع. يجب أن يكون لديك هذا الاستعداد لمقابلة الأشخاص أينما كانوا وألا تكون مبالغاً في ردود أفعالك. كل رئيس تنفيذي ناجح رأيته لا يخسر عندما لا تسير قضية معينة على ما يرام - فهو يعرف كيف ينظم نفسه». ونتيجة لذلك، يقول إنه من الضروري أن تكون لديك قدرة متطورة على التواصل وإدارة الأزمات - وهي مجموعات من المهارات لا يفهمها أو يتفوق فيها الجميع في الإدارة. «لا يمكنك فعل ذلك بناءً على الشخصية وحدها».

وهناك عنصر آخر وهو الشعور القوي بالفضول. يحتاج أفضل القادة اليوم إلى أن يكونوا أكثر ذكاءً من ذي قبل فيما يتعلق بمجموعة واسعة من المواضيع. لقد أوضحت سنوات الوباء والاضطرابات الجيوسياسية واضطرابات سلاسل التوريد والاستقطاب الحزبي كيف يمكن للأحداث التي تبدو بعيدة كل البعد عن المهام اليومية للقائد أن تُحدث دماراً هائلاً في أي منظمة. يقول أولسون: «يجب أن يطوروا من أنفسهم طوال الوقت، وألا يكونوا عالقين في أي نموذج هم فيه بالفعل».

يحتاج القادة الآن إلى أن يكونوا قادرين على التكيف. تبحث مجالس الإدارة المتطورة عن الأشخاص الذين لا يتمتعون بمؤهلات السيرة الذاتية فحسب، بل يتمتعون أيضا بمستوى من الذكاء العاطفي والقدرة العقلية ليكونوا ناجحين في عالم دائم التغير. أفضل القادة دائماً ما يكونون صورة جديدة لأنفسهم. ويشير أولسون، على سبيل المثال، إلى «جون كراولي»، الذي كان محامياً سابقاً وحاصلاً على ماجستير إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، وأسس شركته الخاصة في مجال التكنولوجيا الحيوية عام 1998 بعد أن تم تشخيص إصابة اثنين من أبنائه باضطراب عصبي عضلي مميت عادةً، وكان الهدف المساعدة في البحث عن علاج محتمل.

وفي ديسمبر، تم تعيين كراولي رئيساً لمنظمة ابتكار التكنولوجيا الحيوية، لينتقل من عالم الشركات إلى مجال التوعية. يقول أولسون: «كان يفكر ملياً في الخطوة التالية بعد بيع شركته الخاصة، وقام بتغيير كبير، وهو الآن يتعلم مواجهة مجموعة جديدة من التحديات».

والخبر السار، كما يقترح أولسون، هو أنه على الرغم من أن المشهد مربك، إلا أن المشكلات الكبيرة عادة ما تجتذب القادة الأكثر طموحاً. ويقول: «القادة يريدون التحدي. إنهم يحصلون على الكثير من الإشباع من مواجهة الأوضاع الصعبة». إذا كان هذا صحيحاً، فقد يكون الأميركيون محظوظين، إذ أنه من الصعب تخيل لحظة أكثر صعوبة من الآن

 جاريت جراف*

كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»